فصل: لطيفة في معنى العقب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.لطيفة في معنى العقب:

العقبين تثنية عقب وهو مؤخر القدم. والانقلاب عليهما استعارة تمثيلية، وهذه الاستعارة نظير قوله تعالى: {ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ} [المدثر: 23]، وكقوله: {كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [طه: 48].

.تنبيه على الوجه المراد في قوله تعالى: {إِلَّا لِنَعْلَمَ}:

قال الراغب رحمه الله: ما وجه قوله: {إِلَّا لِنَعْلَمَ} وذلك يقتضي استفادة علم، ولم يزل تعالى عالمًا بما كان وبما يكون؟ قيل: إن ذلك من الألفاظ التي لولا السمع لما تجاسرنا على إطلاقها عليه تعالى، ومجاز ذلك على أوجه:
الأول: أن اللام في مثل ذلك تقتضي شيئين: حدث الفعل في نفسه، وحدوث العلم به، ولما كان علم الله لم يزل ولا يزال، صار اللام فيه مقتضيًا حدوث الفعل لا حدوث العلم.
والثاني: أن العلم يتعلق بالشيء على ما هو به، والله تعالى عَلِمَهُمْ، قبل أن يتبعوه، غير تابعين. وبعد أن تبعوه عَلِمَهُم تابعين. وهذا الجواب هو في الحقيقة الأول؛ لأن التغيير داخل في المعلوم لا في العلم.
والثالث: معناه ليُعلِم غيرنا بنا. فنسب ذلك إلى نفسه. كقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42]، وفي موضع آخر: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11]، وقال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: 113]، وإنما علمه بملائكته.
والرابع: معناه لنجازي، وذلك متعارف، نحو قولك: سأعلم حسن بلائك؛ أي: سأجزيك على حسب مقتضى علمي قبل، فعبّر عن الجزاء بالعلم لما كان هو سببه.
والخامس: أن عادة الحليم إذا أفاد غيره علمًا أن يقول: تعال حتى نعلم كذا، وإنما يريد إعلام المخاطب، لكن يُحله نفسه محل المشارك للمتعلم على سبيل اللطف. انتهى.
والوجه الثالث هو الذي اختاره الإمام ابن جرير قال: أما معناه عندنا: ما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا ليعلم رسول وحزبي وأوليائي: من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.
قال: وكان من شأن العرب إضافة ما فعلته أتباع الرئيس، إلى الرئيس، وما فعل بهم، إليه. نحو قولهم: فتح عُمَر بن الخطاب سواد العراق وجبى خراجها، وإنما فعل ذلك أصحابه، عن سببٍ كان منه في ذلك، وكالذي روي في نظيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله جل ثناؤه: مرضت فلم يعدني عبدي، واستقرضته فلم يقرضني» فأضاف، تعالى ذكره، الاستقراض والعيادة إلى نفسه، وقد كان ذلك بغيره، إذ كان ذلك عن سببه.
قد حكي عن العرب سماعًا: أجوع في غير بطني، وأعرى في غير ظهري؛ بمعنى جوع أهله وعياله وعري ظهورهم. فكذلك قوله: {إِلَّا لِنَعْلَمَ} بمعنى: يعلم أوليائي وحزبي.
{وَإِن كَانَتْ} أي: التولية إليها أو الجعلة أو التحويلة: {لَكَبِيرَةً} أي: ثقيلة شاقة؛ لأن مفارقة الإلف، بعد طمأنينة النفس إليه، أمر شاق جدًا {إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ} قلوبهم، فأيقنوا بتصديق الرسول، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه، وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم وما يريد. فله أن يكلف عباده بما شاء وينسخ ما يشاء، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك، بخلاف الذين في قلوبهم مرض، فإنه كلما حدث أمر، أحدث لهم شكًا. كما يحصل، للذين آمنوا، إيقانٌ وتصديقٌ. كما قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سورة فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 124- 125]. وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82]. وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ}. هذا تطمين لمن صلى إلى بيت المقدس من المسلمين، ومن أهل الكتاب قبل النسخ، وبيان أنهم يثابون على ذلك. وقد روى البخاري من حديث أبي إسحاق المتقدم عن البراء: وكان الذي مات على القبلة، قبل أن تحوّل قبل البيت، رجال قتلوا، لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]، أي: صلاتكم، وإنما عدل إلى لفظ الإيمان، الذي هو عام في الصلاة وغيرها، ليفيدهم أنه لم يضع شيء مما عملوه، ثم يصح عنهم، فيندرج المسئول عنه اندراجًا أوليًا، ويكون الحكم كليًا. وذكر بلفظ الخطاب دون الغائب، ليتناول الماضيين والباقين، تغليبًا لحكم المخاطب على الغائب في اللفظ، وفي تتمة الآية إشارة إلى تعليل عدم الإضاعة، بما اتصف به من الرأفة المنافية لما هجس في نفوسهم من الإضاعة. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (143)}.
ساعة ترى كذلك فهناك تشبيه.. الحق سبحانه وتعالى يريدنا أن نتنبه إلي نعمته في أنه جعلنا أمة وسطًا.. فكل ما يشرعه الله يدخل في باب النعم على المؤمنين.. وإذا كان الاتجاه إلي الكعبة هو اختبار لليقين الإيماني في نفوس المسلمين.. فإنه سبحانه جعلنا أمة وسطا نعمة منه، ومادمنا وسطا فلابد أن هناك أطرافا حتى يتحدد الوسط.. هذا طرف ثم الوسط ثم طرف آخر.. ووسط الشيء منتصفه أو ما بين الطرفين.
ولكن ما معنى أمة وسطا؟ وسط في الإيمان والعقيدة فهناك من أنكروا وجود الإله الحق.. وهناك من أسرفوا فعددوا الآلهة.. هذا الطرف مخطئ وهذا الطرف مخطئ.. أما نحن المسلمين فقلنا لا إله إلا الله وحده لا شريك له واحد أحد.. وهذه بديهية من بديهيات هذا الكون.. لأن الله تبارك وتعالى خلق الكون وخلق كل ما فيه وقال سبحانه إنه خلق.. ولم يأت من يدعي الخلق.. إذن فالدعوى خالصة لله تبارك وتعالى.. ولو كان في هذا الكون آلهة متعددة لادعى كل واحد منهم الخلق.. ولذلك فإن الله جل جلاله يقول: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)} من الآية 91 سورة المؤمنون.
أي لتنازع الخلق ولاضطرب الكون.. فالإسلام دين وسط بين الإلحاد وتعدد الآلهة.. على أن هناك أناسًا يسرفون في المادية ويهملون القيم الروحية.. وأناسًا يهملون المادة ويؤمنون بالقيم الروحية وحدها. واقع الحياة أن الماديين يفتنون الروحانيين لأن عندهم المال والقوة.. الإسلام جاء وسطا فيه المادة والروح.. وإياك أن تقول أن الروح احسن من المادة أو المادة احسن من الروح.. فالمادة وحدها الروح وحدها مسخرة وعابدة ومسبحة لله تعالى.. لكن حين تختل المادة بالروح فإنه توجد النفس، والنفس هي التي لها اختيار لتطيع أو تعصى.. تعبد أو تكفر والعياذ بالله.
الله سبحانه يريد من المؤمنين أن يعيشوا مادية الحياة بقيم السماء.. وهذه وسطية الإسلام، لم يأخذ الروح وحدها ولا المادة وحدها.. وإنما أوجد مادية الحياة محروسة بقيم السماء.. فحين يخبرنا الله سبحانه أنه سيجعلنا أمة وسطا تجمع خير الطرفين نعرف أن الدين جاء ليعصم البشر من أهواء البشر. الله تبارك وتعالى يريدنا أن نبحث في ماديات الكون بما يخلق التقدم والرفاهية والقوة للبشرية.. فما هو مادي معملي لا يختلف البشر فيه.. لكن ما يدخل فيه أهواء البشر ستضع السماء لكم قانونه.. فإذا عشتم بالأهواء ستشقون.. وإذا عشتم بنظريات السماء ستسعدون.
قد يتساءل البعض هل الشيوعية التي جاءت منذ اكثر من نصف قرن ارتقت بشعوبها أم لا؟ نقول انظروا إليها الآن لقد بنت ما ادعته من ارتقاءات على الكذب والزيف.. ثم تراجعت ثم انهارت تماما.. وكما انهارت الشيوعية ستنهار الرأسمالية لأنهما طرفان متناقضان إنما نحن أمة وسطا.. ولذلك أعطانا الله سبحانه خيري الدنيا والآخرة. الحق سبحانه يقول: {لتكونوا شهداء على الناس}.. أي أن الحجة ستكون لكم في المستقبل.. وسيضطر العالم إلي الرجوع إلي ما يقننه دينكم.. والله تبارك وتعالى قال: {أمة وسطا} ولم يقل الوسط بكسر الواو أي المنتصف حتى لا يقال إن هؤلاء الرأسماليين والشيوعيين سيتراجعون إلي الحق تماما.. ولكن بعضهم سيميل قليلا إلي هذه الناحية أو تلك بحيث يتم اللقاء.. ولذلك عندما يقولون نأخذ أموال الأغنياء ونوزعها على الفقراء.. نقول لهم وعندما يأتي فقير في المستقبل.. من أين تعطيه بعد أن قضيت على الأغنياء؟.
وقد سمعت من شخص له تجربه في السياسة والحكم.. قال إن الذي كان يعمل معي وأضاع ماله كله على الخمر والقمار والنساء كان احسن مني.. لأنني احتفظت بأموالي ونميتها فقالوا إنك إقطاعي وصادروها.. بينما ذلك الذي أسرف لم يفعلوا به شيئا.. قلت إن الله سبحانه وتعالى يريد منك أن تنمي مالك.. لأنك إن لم تنميه ودفعت عنه زكاة 2.5% فالمال يفنى خلال أربعين سنة.. ولكن إذا نميت مالك وجاءوا إلي ناتج عملك وأخذوه بدعوى أنك إقطاعي فإنهم يقضون على العمل في المجتمع.. لأنه إذا كنت ستأخذ ناتج عمله بدون حق فلماذا يعمل؟ إن الإسلام جاء ليزيد مجال حركة الحياة ويضمن مال المتحرك.. ليأخذ من ماله زكاة ويعين غير القادر حتى لا يحقد على المجتمع.. هذا وسط.
وقوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس}.. فكأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه ستحدث في الكون معركة لن يفصل فيها إلا شهادة هذه الأمة.. فاليمين أو الرأسمالية على خطأ، والشيوعية على خطأ.. أما منهج الله الذي وضع الموازين القسط للكون ولحياة الإنسان فهو الصواب.. ثم يخبرنا الحق تبارك وتعالى أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيكون شهيدا علينا.. هل كان عملنا وتحركنا مطابقا لما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم وبلغه الرسول عليه الصلاة والسلام لنا؟ أم أننا اتبعنا أهواءنا وانحرفنا عن المنهج. الرسول صلى الله عليه وسلم سيكون شهيدًا علينا في هذه النقطة.. تلك الآية وإن كانت قد بشرت الأمة الوسط بأن العالم سيعود إلي العالم سيعود إلي حكمها، فذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا سادت شهادة الحق والعدل فيها.
وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه}.. هذه عودة إلي تحويل القبلة من بيت المقدس إلي الكعبة.. الله تبارك وتعالى لا يفضل اتجاها على اتجاه.. ولذلك فإن الذين يتجهون إلي الكعبة ستختلف اتجاهاتهم حسب موقع بلادهم من الكعبة.. هذا يتجه إلي الشرق وهذا يتجه إلي الشمال الشرقي.. وهذا يتجه إلي الجنوب الغربي.
إنه ليس هناك عند الله اتجاه مفضل على اتجاه.. ولكن تغيير القبلة جعله الله سبحانه اختبارا إيمانيا ليس علم معرفة ولكن علم مشهد.. لأن الله سبحانه وتعالى يعلم.. ولكنه جل جلاله يريد أن يكون الإنسان شهيدا على نفسه يوم القيامة.. ولكنه اختبار إيماني ليعلم الله مدى إيمانكم ومن سيطيع الرسول فيما جاءه من الله ومن سينقلب على عقبيه.. فكأن أمر تحويل القبلة سيحدث هزة إيمانية عنيفة في المسلمين أنفسهم.. فيعلم الله من يستمر في إيمانه واتباعه لرسول الله.. ومن سيرفض ويتحول عن دين الإسلام.
وقوله تعالى: {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله}.. والله يريد هنا العلم الذي سيكون شهيدا على الناس يوم القيامة.. وعملية الابتلاء أو الاختبار في تغيير القبلة عملية شاقة.. إلا على المؤمنين الذين يرحبون بكل تكليف.. لأنهم يعرفون أن الإيمان هو الطاعة ولا ينظرون إلي علة الأشياء. ولكن الكفار والمنافقين واليهود لم يتركوا عملية تحويل القبلة تمر هكذا فقالوا: إن كانت القبلة هي الكعبة فقد ضاعت صلاتكم أيام اتجهتم إلي بيت المقدس.. وإن كانت القبلة هي بيت المقدس فستضيع صلاتكم وأنتم متجهون إلي الكعبة.
نقول لهم لا تعزلوا الحكم عن زمنه.. قبلة بيت المقدس كانت في زمنها والكعبة تأتي في زمنها.. لا هذه اعتدت على هذه ولا هذه اعتدت على هذه.. ولقد مات أناس من المؤمنين وهم يصلون إلي بيت المقدس فقام المشككون وقالوا صلاتهم غير مقبولة.. ورد الله سبحانه بقوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} لأن الذين ماتوا وهم يصلون إلي بيت المقدس كانوا مطيعين لله مؤمنين به فلا يضيع الله إيمانهم. وقوله تعالى: {إن الله بالناس لرءوف رحيم}.. أي تذكروا أنكم تؤمنون برب رءوف لا يريد بكم مشقة.. رحيم يمنع البلاء عنكم. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)}.
أخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي والنسائي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والإِسماعيلي في صحيحه والحاكم وصححه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا} قال: عدلًا.
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {جعلناكم أمة وسطًا} قال: عدلًا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {جعلناكم أمة وسطًا} قال: جعلكم أمة عدلًا.
وأخرج ابن سعد عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال رجل لابن عمر: من أنتم؟ قال: ما تقولون؟ قال: نقول إنكم سبط، وتقول إنكم وسط. فقال: سبحان الله...! إنما كان السبط في بني إسرائيل، والأمة الوسط أمة محمد جميعًا.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم فيدعو قومه فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فذلك قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا} قال: والوسط العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ وأشهد عليكم».
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والنسائي وابن ماجه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول نعم فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته فيدعى محمد وأمته فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا فذلك قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا} قال: عدلًا {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا}».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق، ما من الناس أحد إلا ودّ أنه منا، وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه بلغ رسالة ربه».
وأخرج ابن جرير عن أبي سعيد في قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس} بأن الرسل قد بلغوا {ويكون الرسول عليكم شهيدًا} بما عملتم.
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن جابر قال: شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة في بني سلمة وكنت إلى جانبه، فقال بعضهم: والله يا رسول الله لنعم المرء كان، لقد كان عفيفًا مسلمًا وكان، وأثنوا عليه خيرًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت الذي تقول؟» فقال: يا رسول الله ذلك بدا لنا والله أعلم بالسرائر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وجبت». قال: وكنا معه في جنازة رجل من بني حارثة أو من بني عبد الأشهل، فقال رجل: بئس المرء ما علمنا أن كان فظًا غليظًا أن كان... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت الذي تقول؟» فقال: يا رسول الله، الله أعلم بالسرائر، فأما الذي بدا لنا منه فذاك. فقال: «وجبت، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس}».
وأخرج الطيالسي وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أنس قال: مروا بجنازة فأثني عليه خير فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وجبت وجبت وجبت»، ومر بجنازة فأثني عليه بشر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وجبت وجبت». فسأله عمر...؟ فقال: «من أثنيتم عليه خيرًا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرًا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض». زاد الحكيم الترمذي ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس}».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن عمر: أنه مرت به جنازة فأثني على صاحبها خير فقال: وجبت وجبت، ثم مر بأخرى فأثني شر فقال عمر: وجبت. فقال أبو الأسود: وما وجبت؟ قال: قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة فقلنا: وثلاثة؟ فقال: وثلاثة فقلنا: واثنان؟ فقال: واثنان، ثم لم نسأله عن الواحد».
وأخرج أحمد وابن ماجه والطبراني والبغوي والحاكم في الكنى والدارقطني في الافراد والحاكم في المستدرك والبيهقي في سننه عن أبي زهير الثقفي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبناوة يقول: «يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم قال: بم يا رسول الله؟ قال: بالثناء الحسن والثناء السيء، أنتم شهداء الله في الأرض».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة يصلي عليها فقال الناس: نعم الرجل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وجبت». وأتي بجنازة أخرى فقال الناس: بئس الرجل. فقال: «وجبت». قال أبي بن كعب: ما قولك؟ فقال: «قال الله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس}».
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإِيمان والضياء في المختارة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يموت فتشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيرًا إلا قال الله: قد قبلت شهادتكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون».
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن جرير والطبراني عن سلمة بن الأكوع قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة رجل من الأنصار، فأثني عليها خيرًا فقال: «وجبت». ثم مر عليه بجنازة أخرى، فأثني عليها دون ذلك فقال: «وجبت» فقال: يا رسول الله وما وجبت؟ قال: «الملائكة شهود الله في السماء وأنتم شهود الله في الأرض».
وأخرج الخطيب في تاريخه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يموت فيشهد له رجلان من جيرانه الأدنين فيقولان اللهم لا نعلم إلا خيرًا إلا قال الله للملائكة: اشهدوا أني قد قبلت شهادتهما وغفرت ما لا يعلمان».
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن كعب قال: أعطيت هذه الأمة ثلاث خصال لم يعطها إلا الأنبياء، كان النبي يقال له: بلغ ولا حرج، وأنت شهيد على قومك، وادع اجبك. وقل لهذه الأمة {ما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78] وقال: {لتكونوا شهداء على الناس} وقال: {ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60].
وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم أن الأمم يقولون يوم القيامة: والله لقد كادت هذه الأمة أن يكونوا أنبياء كلهم لما يرون الله أعطاهم.
وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن جرير عن حبان بن أبي جبلة يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جمع الله عباده يوم القيامة كان أول من يدعى إسرافيل، فيقول له ربه: ما فعلت في عهدي هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم، رب قد بلغته جبريل فيدعى جبريل فيقال: هل بلغك إسرافيل عهدي؟ فيقول: نعم فيخلى عن إسرافيل، ويقول لجبريل: هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم، قد بلغت الرسل، فتدعى الرسل فيقال لهم: هل بلغكم جبريل عهدي؟ فيقولون: نعم فيخلى جبريل، ثم يقال للرسل: هل بلغتم عهدي؟ فيقولون: نعم، بلغناه الأمم فتدعى الأمم فيقال لهم: هل بلغتكم الرسل عهدي؟ فمنهم المكذب ومنهم المصدق فتقول الرسل: إن لنا عليهم شهداء فيقول: من؟ فيقولون: أمة محمد فتدعى أمة محمد فيقال لهم: أتشهدون أن الرسل قد بلغت الأمم؟ فيقولون: نعم فتقول الأمم: يا ربنا كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول الله: كيف تشهدون عليهم ولم تدركوهم؟ فيقولون: يا ربنا أرسلت إلينا رسولًا، وأنزلت علينا كتابًا، وقصصت علينا فيه أن قد بلغوا، فنشهد بما عهدت إلينا فيقول الرب: صدقوا، فذلك قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا} والوسط العدل {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا}».
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية عن أبي كعب في الآية قال: {لتكونوا شهداء على الناس} يوم القيامة، كانوا شهداء على نوح، وعلى قوم هود، وعلى قوم صالح، وعلى قوم شعيب، وعندهم أن رسلهم بلغتهم وأنهم كذبوا رسلهم. قال أبو العالية: وهي في قراءة أبي {لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله: {ويكون الرسول عليكم شهيدًا} قال: يشهد أنهم قد آمنوا بالحق إذ جاءهم وقبلوه وصدقوا به.
وأخرج عبد بن حميد عن عبيد بن عمير قال: يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بإذنه ليس معه أحد، فتشهد له أمة محمد أنه قد بلغهم.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: يقال: يا نوح قد بلغت؟ قال: نعم يا رب. قال: فمن يشهد لك؟ قال: رب أحمد وأمته. قال: فكلما دعي نبي كذبه قومه شهدت له هذه الأمة بالبلاغ، فإذا سأل عن هذه الأمة لم يسأل عنها إلا نبيها.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن حبان بن أبي جبلة قال: بلغني أن ترفع أمة محمد على كوم بين يدي الله تشهد للرسل على أممها بالبلاغ، فإنما يشهد منهم يومئذ من لم يكن في قلبه أحنة على أخيه المسلم.
وأخرج مسلم وأبو داود والحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يكون اللعانون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة».
وأما قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} الآية.
أخرج ابن جرير عن عطاء في قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} قال: يعني بيت المقدس {إلا لنعلم من يتبع الرسول} قال: يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {إلا لنعلم} قال: إلا لنميز أهل اليقين من أهل الشك {وإن كانت لكبيرة} يعني تحويلها عن أهل الشك والريب.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: بلغني أن أناسًا من الذين أسلموا رجعوا فقالوا مرة هاهنا ومرة ههنا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {وإن كانت لكبيرة} يقول: ما أمر به من التحوّل إلى الكعبة من بيت المقدس.
وأخرج وكيع والفريابي والطيالسي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير والمنذر وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبلة قالوا: يا رسول الله فكيف بالذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب في قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} قال: صلاتكم نحو بيت المقدس.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} يقول: صلاتكم التي صليتم من قبل أن تكون القبلة، وكان المؤمنون قد أشفقوا على من صلى منهم أن لا يقبل صلاتهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {رءوف} قال: يرأف بكم. اهـ.